في فصل الصيف تكثر مناسبات الخطوبة والزواج، ولسوء حظي فإن بيتي يقع بين صالتي أفراح؛ ولذا فإنني كثيرًا ما أتأذى بسماع صوت " المتفجرات" والألعاب النارية التي لا تقل بشاعة عن إطلاق العيارات النارية.
قلما أشارك في مناسبات الأعراس لكن المشاركة في قليلها يكفي لاتخاذ قرار قطعي بعدم المشاركة ويكفي للقول:
بأن الأفراح لدينا تشبه كل شيء باستثناء الفرح، فالأصوات التي تصدر عن إطلاق العيارات أو الألعاب النارية توهم بأنها حالة من المقاومة المسلحة.
أما الزغاريد ومظاهر الفرح الانفعالية المبالغ فيهما فهي تشكك بالتنبؤ بكارثة مستقبلية أو برغبة في الانفلات من كارثة حالية خاصة إذا صدرت عن أمهات العرسان أو النساء المثقلات بالعنف.
الصبايا والنساء المحتشمات – قلبًا وقالبًا - قد يجدن في مناسبة الفرح فرصة للتحرر من الحشمة وفرصة لإظهار أنوثة لا تختلف كثيرًا عن صورة الأنثى في الفضائيات.
أما الفصل بين الجنسين في قاعة الحفل فهو ما قد يدفع بعضهن للمبالغة في المكياج واللباس رغبة في لفت الأنظار أو توجيهها وتحويلها من العروس إليهن.
المحبطات من النساء بسبب الرجال أو اللواتي لم يحظين بتقدير يساوي توقعاتهن من قبل الأزواج لأنوثتهن يجدن في لفت أنظار الحضور إلى مفاتنهن فرصة لاستعادة الثقة بالنفس.
براءة الإناث اللواتي لم يزلن في مرحلة الطفولة تكاد تنعدم أيضًا، وأكثر ما يستثير الشفقة تجاه هذه الفئة هو تحول إحداهن إلى " روبي " صغيرة كاستجابة لا شعورية لسماع صخب الموسيقى.
المشاركون في حفل الزواج من أقارب الدرجة الأولى للعروسين غالبًا ما يظهرون الفرح وفي بعض الأحيان قد يظهرون فرحًا مبالغًا فيه لا سيما إذا كان هنالك ما يدعو للامتعاض.
كأن يكون أحد الأطراف قد فشل في رفض الطرف الآخر وانصاع مكرها لرغبة العريس والعروس.
في الأعراس بإمكانك أن تستجيب لا شعوريًا لحالة الفرح التي يظهرها الحاضرون فتؤدي واجبًا والتزامًا اجتماعيًا وتشعر بشيء من السعادة.
لكنك إن لم تتغلب على مرض قراءة ما وراء الأشياء فإن هذه المناسبات تعطيك فرصة كي تحصي عددًا لا بأس به من الحالات المرضيّة المؤقتة أو الدائمة، وباستطاعتك أيضًا إن تتبّعت ما ستؤول إليه أحوال العروسين أن تضيف إلى مجموع الحالات هذه حالات أخرى …
أول أيام الزواج هي آخر أيام الحب.. هذا قول قرأته وحقيقة نبذل قصارى جهدنا لتكذيبها..
فالمتزوجون غالبًا ما يلتفون عليها بالقول بأن العشرة تحل مكان الحب وبأن الحب يبقى لكن صورته ووسائل التعبير عنه تصبح مختلفة..
وهذا رغبة في عدم الاعتراف بأن خللًا ما قد حدث بعد الزواج، أما غير المتزوجين أو المقبلين على الزواج ولا سيما الذين تربطهم علاقة حب مع الطرف الآخر فهم غالبًا ما يتنكرون لهذه المقولة ليس التفافًا ولكن جهلًا بالآتي من الأيام، فالأحلام لم تزل وردية والزواج من منظورهم ليس إلا عشًا يجمع عاشقين..
تنتهي حفلة الزفاف ومظاهر الإشهار وتبدأ حياة جديدة لعروسين يظن كل واحد فيهم في البداية بأنه وضع قدمه على أول سلم الاستقلالية وبأنه من اللحظة يعيش في مملكته الخاصة.
وبأن لا شيء سوف يعكر صفو الشعور بالاستقرار. غير أن ما يحدث لنسبة تكاد تقترب من النصف لحديثي الزواج هو الاصطدام بمعيقات لم تكن في الحسبان كما أنها تفوق تصوراتهم وأهليتهم للتعامل معها..
هو لم يكن يدرك بأن الزواج مؤسسة اجتماعية ذات متطلبات اقتصادية، وهي لم تكن تدرك بأن الزواج لا يعني الارتباط بشريك بقدر ما هو ارتباط بأسرة هذا الشريك، هو لا يعود يجد سببًا مقنعًا لتواصل الزوجة مع أسرتها وقد يختلق كل المبررات كي يذيب شخصيتها في نطاق أسرته.
هي لا تدرك وليست لديها الأهلية كي تتفهم علاقة الزوج بوالدته وذويه، وهو لا يفوقها أهلية بهذا الخصوص. هي قد تجد في التنفيس لذويها عن بعض معاناتها مع الزوج وذويه بعض الراحة وهو لن يرضى بتدخل الآخرين ولا يغفر " نشر الغسيل " خارج أسوار البيت.
هما يبتدئان رحلة الخلافات لأسباب ظاهرة وأخرى مستترة لا يمكن البوح بها، وهما قد يصلان إلى قاعات المحاكم خلال فترة لا تتجاوز نصف العام، وكلاهما بعد تدخل ذويهما قد يستثيران الشفقة.
فخلافاتهما تضخمت وأصبح من غير السهل تحجيمها والقرار أصبح لا يتعلق بهما بقدر ما يتعلق " بالأهالي ".. أبو الزوج يعطي نفسه الحق للبت في إنهاء حياة زوجية ويكون لديه نظير من طرف الزوجة.
يتنحى الطرفان ويترك الأمر للمحاكم والعشائر، وفي كثير من الحالات ينتهي الأمر بالطلاق وهذه حقيقة تثبتها تزايد عدد حالات الطلاق لحديثي الزواج في الأردن وارتفاع نسبة الطلاق في هذه الفئة مقارنة بغيرها لأسباب بسيطة ومعقدة في الوقت ذاته لكنها ليست عصية على الفهم وتتطلب جهدًا حقيقيًا لفهمها وتلافيها..
والحقيقة أن شبابنا وشاباتنا بحاجة لتوعية " ناضجة " فيما يتعلق بالحياة الزوجية، وهم ليسوا بحاجة بالتأكيد لمزيد من جرعات الأمل والأحلام الوردية والتوقعات العالية التي تبلغ حد الوهم.
إنهم بحاجة لمن يهيئهم للصورة الواقعية التي تفرضها المؤسسة الزوجية كي ينجح الطرفان في تقبلها والتعامل معها بنضوج يبقي على العلاقة الزوجية.
ويقي طرفي العلاقة من مخاطر التحول إلى زبائن في قاعات المحاكم أو حالات في مؤسسات الإصلاح الأسري..
الكاتب: د. ميساء عبدالله قرعان
المصدر: موقع المستشار